د. أحمد يعقوب المجدوبة
اقترف الكيان الصهيوني في تعامله مع القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة أخطاء قاتلة ستنعكس سلباً عليه بالدرجة الأولى، أكثر من انعكاسها على غيره، على مبدأ «دجاجة حفرت على رأسها نثرت.».
الأخطاء لا تُعدّ ولا تُحصى، ونكتفي هنا بذكر اثنين منها.
أوّلها أنه يلجأ إلى القوة العسكرية لفرض إرادته وأطماعه، من اغتصاب الأرض وإقامة المستعمرات وطرد السكان الأصليين من بيوتهم وقتل المدنيين أو زجّهم في السجون وتعذيبهم دون أدنى اعتبار لإنسانيتهم أو للقوانين الدولية.
وبسبب ذلك – أي اللجوء للقوة– سعى لامتلاك أكثر الأسلحة تطوراً وفتكاً، بما في ذلك الأسلحة المحرّمة دولياً وأسلحة الدمار الشامل، ونجح في ذلك، وكانت له الغلبة في عدة معارك بسبب التفوق العسكري هذا والإسناد اللامحدود من جانب الولايات المتحدة، التي تدعمه بأرقام فلكية في السلم والحرب وتقف إلى جانيه حتى عندما يرتكب أبشع الجرائم.
والخطأ هنا على بعدين: الأول ويتمثل في أن القوة العسكرية لن تضمن له الغلبة دوماً حتى عندما يكون مُتفوقاً فيما يمتلك، كما حصل في معركة الكرامة وحرب تشرين وفي المواجهة الأخيرة في غزة، فما بالك عندما يمتلك الفلسطينيون والعرب أسلحة موازية أو قريبة من ذلك؛ والثاني ويتمثل في أن إرادة الشعوب هي أقوى وأكثر تأثيراً من القوة العسكرية.
وأكبر دليل على ذلك أن الأسلحة تفقد مفعولها، لا بل تُحيّد، أمام انتفاضات الشعوب وأمام التعاطف والتضامن الدوليين، وأن الكيان لم يفلح لأكثر من سبعين سنة في تحقيق الأمن والاستقرار لنفسه رغم ما يمتلك من أسلحة.
أما ثاني الأخطاء القاتلة فهو إجهاض الكيان لكل المحاولات التي بُذلت لحل القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة سلمياً، المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة والمبادرات الدولية والعربية. لا بل إن الكيان تنصل من عدة اتفاقيات أبرمها مع عدة أطراف عربية وفلسطينية، متبعاً أسلوب الالتفاف والمماطلة والابتزاز واستخدام الطرق الشيطانية، مثل بناء المستعمرات والسيطرة عنوة على الأراضي التي يُفترض أن ينسحب منها، والقضاء على حلّ الدولتين والذي يعتبره الفلسطينيون والعرب – أو كانوا – أساساً للحل الشامل والعادل والدائم.
والخطأ القاتل هنا يكمن في أن المساعي السلمية كانت ستُثبِّت الكيان وتضمن أمنه واستقراره لو أنه استجاب لها بجد وصدق وصفاء نيه. لكن خبثه ونفاقه وتحايله أوقعه في شر أعماله، فالتخلي عن الحلول السلمية الدبلوماسية يعني التخلي عن النافذة الوحيدة التي كانت ستضمن له البقاء.
نُذكّر هنا بأن العديد من الأطراف العربية والفلسطينية اعترفت بوجود الكيان لقاء الانسحاب من الأراضي المحتلة والاعتراف بحق العودة وغيرها من التزامات. لكنّه «أبى واستكبر»، فأخذ – نتيجة لتنصله من الاتفاقيات التي وقعها – يفقد ما حققته له تلك الاتفاقيات، ومن أهم ذلك الاعتراف بوجوده، وهو أكبر وأخطر ما يمكن أن يخسر.
أخطاء كثيرة وكبيرة يقترفها الاحتلال بسبب تبنّيه سياسات التّذاكي والضحك على اللحى وخداع الآخرين، تجعل منه هو الخاسر الأكبر اليوم، أمام الإرادة الشعبية الصلبة فلسطينياً وعربياً، وأما تعاطف وتضامن شعوب العالم غير المسبوق مع القضية الفلسطينية والحقوق العربية.